يقول رب العزة1 ـ3( إنما المؤمنون إخوة)(3). ويقول أيضا ـ المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض وفي الصحيحين من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم:ـ مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم, مثل الجسد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي.
وفي حديث آخر في الصحيحين من حديث أبي موسي( رضي الله عنه قال: ـ قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ـ: ـ المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا.
ـ وإذا كان الأمر علي هذا النحو الذي أشارت إليه الآيات والأحاديث فإن الذي يتوقعه المسلم من أخيه أن يكون سلما له, ودودا معه, يسعي إلي جلب الخير له كما يجلبه لنفسه, ويدفع عنه الضر كما يرفعه عن نفسه, وهو ما أكده الحديث أيضا كدليل بين أدلة الإيمان.
ففي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه ـ عن النبي صلي الله عليه وسلم قال:ـ لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه
ـ فإذا عجز المسلم لأي سبب عن تقديم المنفعة لأخيه المسلم فلا أقل من أن يدفع عنه ضره.
وفي السنة ما يؤكد هذا أيضا, ففي الصحيحين من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يارسول الله, أي الأعمال أفضل؟ قال الايمان بالله والجهاد في سبيله. قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال أنفسها عند أهلها, وأغلاها ثمنا. قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعا أو تصنع لأخرق, قلت: يارسول الله: أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: تكف شرك عن الناس, فإنها صدقة منك علي نفسك.
وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي موسي ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ قال: علي كل مسلم صدقة قال: أرأيت إن لم يجد؟ قال:ـ يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق. قال أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف. قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: ـ يأمر بالمعروف أو الخير. قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة.
وفي هذا المعني يقول يحيي بن معاذ ـ رضي الله عنه ـ: ليكن حظ المؤمن منك ثلاث: إن لم تنفعه لا تضره, وإن لم تمدحه لا تذمه, وإن لم تفرحه لا تغمه.
ـ فإذا استباح إنسان لنفسه رغم كل هذا أن يتعرض بالأذي لعباد الله بأي شكل من أشكال الأذي فإنه بذلك يعرض نفسه لجملة من العقوبات نشير إليها فيما يلي:ـ
ـ فقدانه لما عمله من حسنات, وتبديد ما قدمه من صالحات.
ففي الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلي الله عليه وسلم ـ قال:ـ أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: ـ إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة, ويأتي وقد شتم هذا. وقذف هذا, وأكل مال هذا, وسفك دم هذا, وضرب هذا, فيعطي هذا من حسناته, وهذا من حسناته, فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه, أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار.
وذكرت امرأة بين يدي النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ بكثرة صلاتها وصيامها وصدقتها, غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها, فقال ـ صلي الله عليه وسلم ـ هي في النار.
ـ انتقام الله منه في الدنيا غيرة علي إيذائه لعباده المؤمنين.
ففي سنن الترمذي من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: ـ صعد رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ المنبر, فنادي بصوت رفيع, فقال: ـ يامعشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلي قلبه, لا تؤذوا المسلمين, ولا تعيروهم, ولا تتبعوا عوراتهم, فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته, ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحلة.
ـ أن مرد الإساءة إلي فاعلها, وعلي الباغي تدور الدوائر.
يقول رب العزة فيمن يظلم امرأته, ويمسكها للإضرار بها: ـ ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا, ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه.
ويقول سبحانه: ـ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله. ويقول: ـ يا أيها الناس إنما بغيكم علي أنفسكم.
ويقول الإمام علي ـ رضي الله عنه ـ في هذا المعني:ـ إن فاعل الإحسان مع الناس إنما يفعله مع نفسه, وإن فاعل الإساءة مع الناس إنما يفعلها مع نفسه, ودليل ذلك من كتاب الله قوله تعالي:ـ إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها.
ـ إن المسلم عند الله تعالي جليل القدر, عظيم الشأن, وإن حرمة ماله ودمه وعرضه محفوظة في شريعة الإسلام ولا ينال منها شيء بأذي, ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ـ المسلم أخو المسلم, لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله, التقوي ها هنا ـ ويشير إلي صدره ثلاث مرات ـ بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم علي المسلم حرام دمه وماله وعرضه, ومما يدل علي عظم حرمة المؤمن ـ أيضا ما روي عن الصحابي الجليل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه نظر يوما إلي الكعبة فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك, والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك!
ولأمر هذا لا يجوز التعرض لأحد من المسلمين بأذي في أي شيء, ولو كان بمجرد نظرة إليه ؟ أو ترويع له, أو حتي برائحة كريهة يشمها.
ففي صحيح مسلم من حديث( من أشار إلي أخيه بحديدة, فإن الملائكة تلعنه حتي ينزع, وإن كان أخاه لأبيه وأمه.
وفي حديث آخر: ـ من نظر إلي أخيه المسلم نظرة يخيفه فيها أخافه الله يوم القيامة.
وثبت أيضا في الحديث النبوي فيمن أكل ثوما أو بصلا أو ما في معناهما مما يغير رائحة الإنسان ثبت نهيه عن دخول المسجد حتي لا يؤذي من فيه, فإن الملائكة تتأذي مما يتأذي منه بنو آدم.
ونبه ـ أخيرا ـ إلي أن الانسان قد يقصر في حقوق ربه ويتوب فيقبل الله توبته, أو يلقي الله مقصرا ويعفو عنه, ولكن من صدر منه إيذاء لمخلوق لا تقبل توبته حتي يرد لأخيه مظلمته, وإذا أهمل ذلك جوزي بين يدي الله تعالي باعطاء حسنات منه لأخيه بقدر مظلمته, أو يتحمل من سيئاته إن لم تكن له حسنات.
ومن ثم يدعونا رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ إلي ضرورة التخلص من المظالم في هذه الدنيا برد الحقوق إلي أصحابها قبل القصاص يوم القيامة.
ففي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ قال:ـ من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شئ فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم, إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه.
والأولي بالمسلم أن يتجنب إيذاء الغير, ويبتعد عن الإضرار بالخلق, حتي يلقي الله تعالي سليما وليس في رقبته حقوق لأحد.