الحمدلله القوي المتين , القاهر الظاهر الملك الحق المبين , لا يخفى على سمعه خفُّي الأنين,
ولا يغرب عن بصره حركات الجنين , ذلّ لكبريائه جبابرة السلاطين,
وقضى القضاء بحكمته وهو أحكم الحاكمين , أحمده حمد الشاكرين ,
وأساله معونة الصابرين, و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له في الأولين والآخرين,
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
المصطفى على العالمين.
الرسل : جمع (رسول) بمعنى : (مُرسَل) أي مبعوث بإبلاغ شيء .
والمراد هنا : من أوحي إليه من البشر بشرع وأُمر بتبليغه .
وأول الرسل نوح - عليه السلام - وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى : (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبـِـيِّـيـنَ مِن بَعْدِهِ) [سورة النساء : 163] .
وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه في حديث الشَّفاعة
أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ذكر أن الناس يأتون إلى آدم ؛ ليشفع لهم ،
فيعتذر إليهم ويقول : ائتوا نوحـًا أول رسولٍ بعثه الله ) وذكر تمامَ الحديث
( رواه البخاري ، كتاب الرقاق ، باب صفة الجنة و النار ، رقم 6197 ) .
وقال الله تعالى في محمد صلى الله عليه وسلم :
(مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبيِّينَ) [سورة الأحزاب ] .
ولم تخلُ أمةٌ من رسول ، يبعثه الله تعالى بشريعة مستقلة إلى قومه ،
أو نبي يوحى إليه بشريعة من قبله ؛ ليجـددهـا ، قـال الله تعـالى :
( وَلَقَدْ بَعَثْنَـا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) [سورة النحل : 36]
وقال تعالى : ( وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ) [سورة فاطر : 36] .
وقال تعالى : (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بـِهَا النَّبـِـيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُـواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ)
[سورة المائدة : 44].
والرسل بشر مخلوقون ، ليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء ،
قال الله تعالى عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهو سيد الرسل ، وأعظمهم جاهـًا عند الله :
(قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نـَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ
مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنـَاْ إِلاَّ نـَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [سورة الأعراف : 188].
وقال تعالى : (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَن يُجـِـيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ
وَلَنْ أَجـِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا) [سورة الجن : 21 ، 22] .
وتلحقهم خصائص البشرية : من المرض ، والموت ، والحاجة إلى الطعام ، و الشراب ، وغير ذلك ،
قال الله تعالى عن إبراهيم - عليه الصلاة و السلام - في وصفه لربه تعالى :
( وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذا مَرِضْـتُ فَهُوَ يَشْفِيـنِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثـُمَّ يُحْيِينِ)
[سورة الشعراء : 79 ، 81] .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( إنما أنا بشرٌ مثلكم أنسى كما تنسون ؛ فإذا نسيت ؛ فذكِّروني)
( رواه البخاري ، كتاب أبواب القبلة ، باب التوجه إلى القبلة حيث كان ، رقم 392 ) .
وقد وصفهم الله تعالى بالعبودية له في أعلى مقاماتهم ، وفي سياق الثَّناء عليهم ؛
فقال تعالى في نوح صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) [سورة الإسراء : 3]
وقال في محمد صلى الله عليه وسلم :
(تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) [سورة الفرقان : 1] .
وقال في إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب - صلَّى الله عليهم وسلَّم - :
(وَاذكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ *
إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بـِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأخْيَارِ) [سورة ص : 45 ، 47] .
وقال في عيسـى ابن مريـم صلى الله عليه وسلم :
(إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَــا عَلَيْـــهِ وَجَعَلْنَـاهُ مَثَـلاً لِّبَنِـي إِسْرَائِيــلَ ) [سورة الزخرف : 59] .
الإيمان بالرسل هو الركن الرابع من أركان الإيمان، فلا يصح إيمان العبد إلا به.
والأدلة الشرعية متواترة على تأكيد ذلك، فقد أمر سبحانه بالإيمان بهم،
وقرن ذلك بالإيمان به فقال: { فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ } (النساء: 171)
وجاء الإيمان بهم في المرتبة الرابعة من التعريف النبوي للإيمان كما في حديث جبريل:
( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله .. ) رواه مسلم ،
وقرن الله سبحانه الكفر بالرسل بالكفر به، فقال:
{ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} (النساء:136)،
ففي هذه الآيات دليل على أهمية الإيمان بالرسل، ومنزلته من دين الله عز وجل،
وقبل بسط الكلام في ذلك، يجدر بنا ذكر تعريف كل من الرسول والنبي، وتوضيح الفرق بينهما .
الإيمان بالرسل ليس على مرتبة واحدة، بل هناك الإيمان المجمل
وهو الإيمان بجميع الرسل على وجه الإجمال وبمحمد صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص،
فهذا واجب على عموم الأمة لا يسع المؤمن أن يعرض عنه أو ينكره .
وهناك الإيمان المفصّل وهو الإيمان بجميع الرسل ومعرفة ما ثبت في الشرع عنهم ،
من أسمائهم وأسماء الكتب التي أنزلت عليهم ، وهذا فرض على مجموع الأمة
لا على كل فرد بعينه، بحيث إذا قام به من تحصل به الكفاية في تعليم الناس وحفظ دينهم
سقط عن الآخرين.
والإيمان بالرسل يتضمن أمورًا :
1- التصديق بنبوتهم وبما جاءوا به من عند الله عز وجل،
قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ ۖ } (الحديد:19).
2- عدم التفريق بين أحد منهم كما قال تعالى:
{ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ
لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (البقرة:285) .
3- توقيرهم وتعظيمهم: قال تعالى:
{لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } (الفتح:9)
قال ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد: " تعظموه وتوقروه من التوقير وهو الاحترام
والإجلال والإعظام، وأجمع العلماء على أن من انتقص نبيا من الأنبياء فقد كفر ".
4- وجوب العمل بشرائعهم: وذلك في حق كل أمة لنبيها،
ولا يخفى أن ذلك قبل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم التي نسخت شريعته كل شريعة.
5- اعتقاد عصمتهم في تبليغهم الوحي، و عصمتهم من الكبائر والصغائر
التي تدل على خسة الطبع وسفول الهمة.
6- الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه مثل : محمد ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ،
ونوح - عليهم الصلاة والسلام - وهؤلاء الخمسة هم أولو العزم من الرسل ،
وقد ذكرهم الله -تعالى - في موضعين من القرآن في قوله :
(وَإِذ أَخَذْنـَا مِنَ النَّبيِّينَ مِيثـَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ)
[سورة الأحزاب : 7] ، وقوله : ( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بـِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
وَمَا وَصَّيْنَا بـِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) [سورة الشورى : 13] .
وأما من لم نعلم اسمه منهم ؛ فنؤمن به إجمالاً ، قال الله تعالى :
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَــا عَلَيْـــكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْـكَ)
[سورة غافر : 78]
تتلخص الحكمة في إرسال الله رسله إلى العباد في أمور:
الأول:
إقامة الحجة على العباد، وتبشير المؤمنين بنعيم الله وجنته في الآخرة،
وإنذار الكافرين من عذابه وعقابه، قال تعالى: { رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ
لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (النساء:165).
وقال صلى الله عليه وسلم مبينا الحكمة من بعثة الرسل:
( ولا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين )
رواه البخاري ومسلم .
الثاني:
إقامة الدين وسياسة الدنيا به، فقد كان الأنبياء هم الساسة الذين يديرون شؤون البلاد والعباد،
قال صلى الله عليه وسلم: ( كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي )
متفق عليه، وكذلك كان صلى الله عليه وسلم هو قائد الأمة وأميرها.
الثالث:
توحيد الأمة دينيا وسياسيا، وذلك أن انقياد الأمة للرسل يجعلهم يدينون لهم بالطاعة
ويتبعونهم فيما جاءوا به من الدين الحق، فتتحقق بذلك وحدتهم الدينية والسياسية.
الرابع:
تحقيق القدوة والأسوة العملية، وهذه لها فوائد:
الأولى:
دحض حجة من قد يزعم أنه ليس في مقدوره تطبيق تلك الشرائع،
فيقال له: إن الأنبياء وهم بشر أيضا، قد طبقوا تلك الشرائع ومارسوها عمليا
فكيف يصح القول بأن تطبيقها مما لا يستطاع !!
الفائدة الثانية:
تحقيق الأسوة والقدوة للمؤمنين في كيفية تطبيق تلك الشرائع، وكيفية العمل بها،
لأن كثيرا من الأمور النظرية تختلف الأفهام في تطبيقها، فيأتي الفعل النبوي فاصلاً ومبيناً.
الفائدة الثالثة:
تحقيق الأسوة والقدوة للمؤمنين بحثهم على الإكثار والاستزادة من فعل الصالحات،
اقتداء بالأنبياء عليهم السلام، الذين كانوا القدوة في ذلك بسلامة إيمانهم وكثرة أعمالهم الصالحة .
معجزات الرسل هي الآيات التي أجراها الله على أيديهم تصديقا لهم،
وبرهانا على الحق الذي معهم، ولهذا سماها الله في كتابه ( آيات ) أي علامات دالة على صدقهم.
وتأييد الله رسله بالمعجزات من كمال عدله ورحمته ومحبته للعذر وإقامته للحجة على العباد،
إذ لم يبعث الله نبياً من الأنبياء إلا ومعه آية تدل على صدقه فيما أخبر به، قال تعالى :
{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } (الحديد: 25)،
وقال تعالى:{ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ }
(آل عمران:184)،
وقال صلى الله عليه وسلم :
( ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر،
وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ) متفق عليه .
ومن عظيم حكمة الله عز وجل أن جعل معجزات رسله من جنس ما أبدع فيه القوم المرسل إليهم،
إمعاناً في الحجة، وقطعاً للعذر، فلو جعلت معجزة الرسول في أمر يجهله من أرسل إليهم ،
لكان لهم عذر في عدم إحسان ما يجهلونه .
فموسى عليه السلام أرسل في قوم كان السحر شائعا بينهم ،
فآتاه الله من الآيات ما فاق به قدرة السحرة على أن يأتوا بمثله ،
فلما رأى السحرة ذلك ، علموا أن هذا أمر ليس من فعل السحر ،
وإنما هي المعجزة الربانية التي أيَّدَ الله بها نبيه موسى ،
فما كان من السحرة إلا أن آمنوا وأذعنوا .
ولما بعث الله تعالى عيسى عليه الصلاة والسلام في بني إسرائيل
كان فن الطب فيهم شائعاً، فاقتضت حكمته تعالى أن جعل كثيراً من معجزاته عليه السلام
من قبيل أعمال أهل الطب، فأبرأ الله على يديه الأبرص والأكمه - الذي ولد أعمى -
وأحيا الموتى، وكل من البرص والكمه فضلا عن الموت من الأمراض المستعصية
التي لم يكن بمقدور الأطباء في ذلك الزمان التسبب في الشفاء منها ،
فآتى الله عيسى عليه السلام معجزة الشفاء منها بلمسة ودعاء،
وكل ذلك يدل على أن فعله عليه السلام لم يكن من جنس ما يفعله الأطباء،
فإن الأطباء يمكنهم أن يشفوا من البرص ، لكن بعد معالجة وزمن،
وكذلك يمكنهم أن يشفوا من العمى الذي يكون عرضياً ليس مخلاً بجوهر البصر،
وأما شفاء الأكمه عديم البصر فهذا ليس في طاقتهم ، وكذلك إحياء الموتى.
ومثل ذلك مع نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد بعث في قوم كانوا أهل فصاحة وبيان،
وكان صلى الله عليه وسلم أميا لا يقرأ ولا يكتب، فلما بعثه الله عز وجل
جعل معجزته من جنس ما نبغ فيه العرب، وهو الكلام الفصيح،
فآتاه الله القرآن، وتحدى العرب أن يأتوا بمثله فعجزوا ،
ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بمثل سورة منه فعجزوا ،
ثم أعلمهم بأنه لو اجتمع البشر كلهم، وتظاهرت الجن معهم على أن يأتوا بمثل هذا القرآن
ما استطاعوا أن يأتوا بمثله، قال تعالى :
{ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا
مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }
(يونس: 38)،
وقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ
وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }
(هود: 13).
وصدق الله إذ يقول: {قُل لّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنّ عَلَىَ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـَذَا الْقُرْآنِ
لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً }
(الإسراء:88).
ولا يعني ما سبق أن المعجزة لا تأتي إلا على وجه واحد بحسب حال الناس وواقعهم،
بل ربما جاءت المعجزة بناء على طلب المرسَل إليهم،
كطلب الحواريين من عيسى أن ينزل عليهم مائدة من السماء فأجابهم إلى ذلك،
وكطلب قوم صالح منه أن يخرج لهم من الصخرة ناقة فدعا الله فأجابه،
وكمعجزة انشقاق القمر ونبع الماء ونحو ذلك، إلا أن المعجزات تجتمع جميعها
في غاية واحدة هي تأييد الأنبياء، وإظهار صدقهم فيما جاءوا به.
إن الآيات التي جاء بها الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ذات فوائد كثيرة نذكر منها ما يلي:
1. بيان قدرة الله سبحانه وتعالى، وذلك أن خرق العادة أمر متعذر على الناس فعله،
فإذا أجراه الله على يد رسله، كان ذلك دليلا على سعة قدرة الله
وأنه المتصرف في الأسباب الكونية لا أن الأسباب هي المتصرفة في الكون .
2. بيان رحمة الله بعباده، إذ لم يكتف سبحانه بإرسال الرسل وإنزال الكتب الموافقة
لما فُطر الناس عليه من التوحيد، وإنما أيد رسله بالمعجزات حتى لا يكون للناس عذر
في رد ما جاء به الرسل من الحق والدين.
3. بيان حكمة الله البالغة؛ إذ لم يرسل رسلا دون أن يؤيدهم بالمعجزات الدالة على صدقهم،
وذلك أن من غير الحكمة أن يرسل المرء شخصا في أمر غاية في الأهمية
من غير أن يزوده بما يدل على صحة رسالته من أمارة أو دليل،
فكيف برسالة عظيمة من أحكم الحاكمين ؟!
4. رحمة الله بالرسول الذي أرسله؛ إذ لو أرسله من غير معجزات وآيات تدل على صدقه،
لما صدقه الخلق ولكان عرضة للسخرية والهزء والتكذيب، فكان إرساله بالآيات المعجزات
من رحمة الله به؛ ليتسنى له إقناع الخلق بطريقة لا يستطيعون معارضتها،
ولا يمكنهم ردها إلا جحوداً وعناداً .
وللإيمان بالرسل ثمراتٌ جليلة منها :
الأولى :
العلم برحمة الله تعالى ، وعنايته بعباده، حيث أرسل إليهم الرسل ؛
ليهدوهم إلى صراط الله تعالى ، ويبينوا لهم كيف يعبدون الله ؛ لأنّ العقل البشري ،
لا يستقل بمعرفة ذلك .
الثانية : شكره تعالى على هذه النعمة الكبرى .
الثالثة : مَحبَّةُ الرسل - عليهم الصلاة و السلام - وتعظيمهم ،
والثَّناء عليهم بما يليق بهم ؛ لأنهم رسل الله تعالى ، ولأنهم قاموا بعبادته ،
وتبليغ رسالته ، والنُّصحِ لعباده .
وقد كذَّب المعاندون رسلهم زاعمين أن رسل الله تعالى لا يكونون من البشر !
وقد ذكر الله تعالى هذا الزعم ، وأبطله بقوله سبحانه :
(وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً *
قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَــا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَــاء مَلَكًا رَّسُولاً)
[سورة الإسراء : 94 ، 95] .
فأبطل الله تعالى هذا الزعم بأنه لابد أن يكون الرسول بشرًا ؛ لأنه مرسـل إلى أهل الأرض ،
وهم بشر ، ولو كان أهل الأرض ملائكة ؛ لنزَّل الله عليهم من السماء ملكـًا رسولاً ؛
ليكون مثلهم ، وهكذا حكى الله تعالى عن المكذبين للرسل أنهم قالوا :
(إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بـِسُلْطَانٍ مُّبينٍ *
قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ
وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بسُلْطَانٍ إِلاَّ بإِذنِ اللّهِ) [سورة إبراهيم : 10 ، 11].
أسأل الله أن نكون قد وُفقنا في الطرح ، فإن اخطأنا فمن انفسنا و الشيطان
و التمسوا لنا العذر و السماح ، وان أصبنا فما الصواب إلا من لدن مُنزل القرآن
و المنزه عن الخطأ و النقصان .
المصادر :
الموقع الرسمي للشيخ ابن عثيمين – رحمه الله –
إسلام ويب
على ما وردت به النصوص دون أن نجري وراء التكهنات.
هدفي من السلسلة التوعية أولا واخيراً
ثم ذكر ما لم يُذكر
بارك الله بكم جميعا ..
إن وُفقنا فمن الله وإن أخطأنا فمن انفسنا والشيطان
فالتمسوا لنا العُذر و السماح
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته