أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
الحياة الزوجية فى الشريعة الاسلامبة والحكمة من النكاح وفوائده
الحياة الزوجية فى الشريعة الاسلامبة والحكمة من النكاح وفوائده السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أصول الحياة الزوجية أولاً: تعريف وبيان: النكاح لغة: بكسر النون، مصدر نكح، وهو: الضم والجمع والتداخل. قال ابن منظور: "نكح فلان امرأة ينكحها نكاحا إذا: تزوجها"[1]. وهو شرعا: عقد بين الزوجين يحل به الوطء[2].
[1] لسان العرب (2/625). [2] نيل الأوطار (6/227). ثانيًا: مشروعية النكاح: قال الله تعالى: {فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ ٱلنّسَاء مَثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ} [النساء:3]. وقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً} [الرعد:38]. قال القرطبي: "فيه مسألتان: الأولى: قيل: إن اليهود عابوا على النبي صلى الله عليه وسلم الأزواج وعيَّرته بذلك، وقالوا: ما نرى لهذا الرجل همة إلا النساء والنكاح، ولو كان نبيا لشغله أمر النبوة عن النساء، فأنزل الله هذه الآية وذكَّرهم أمرَ داود وسليمان، فقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً} أي: جعلناهم بشرا يقضون ما أحل الله من شهوات الدنيا، وإنما التخصيص في الوحي. الثانية: هذه الآية تدل على الترغيب في النكاح والحض عليه، وتنهى عن التبتل وهو ترك النكاح، وهذه سنة المرسلين كما نصت عليه هذه الآية، والسنة واردة بمعناها قال صلى الله عليه وسلم: ((تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم)) الحديث... وقال: ((من تزوج فقد استكمل نصف دينه، فليتق الله في النصف الثاني))، ومعنى ذلك أن النكاح يعف عن الزنا، والعفاف أحد الخصلتين اللتين ضمن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما الجنة... وفي صحيح مسلم عن سعد بن وقاص قال: أراد عثمان أن يتبتل فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم ولو أجاز له ذلك لاختصينا" عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أُخبروا كأنهم تقَالُّوها فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟! قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)) قال الحافظ: "في الحديث دلالة على فضل النكاح والترغيب فيه" وقال ابن قدامة: "وأجمع المسلمون على مشروعية النكاح، واختلف أصحابنا في وجوبه"
الجامع لأحكام القرآن (9/327-328). [2] أخرجه البخاري في النكاح، باب: الترغيب في النكاح (5063) واللفظ له، ومسلم في النكاح (1401). [3] فتح الباري (9/106). [4] المغني (7/3). ثالثًا: الحكمة من النكاح وفوائده: 1- الزوج سكن: قال الله تعالى: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف:189]. قال الطبري: "ليأوي إليها لقضاء حاجته ولذَّته"[1]. وقال ابن كثير: "أي: ليألفها ويسكن بها"[2]. 2- فيه بقاء النسل الإنساني: عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وإنها لا تلد أفأتزوجها ؟ قال: ((لا))، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: ((تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم))[3]. قال المناوي: "وهذا حث عظيم على الحرص على تكثير الأولاد، وفي ضمنه نهي عن العزل، وتوبيخ على فعله، وأنه ينبغي للإنسان رعاية المقاصد الشرعية وإيثارها على الشهوات النفسانية"[4]. وقال شمس الدين آبادي: "((الودود)) أي: التي تحب زوجها، ((الولود)) أي: التي تكثر ولادتها، وقيد بهذين لأن الولود إذا لم تكن ودودا لم يرغب الزوج فيها، والودود إذا لم تكن ولودا لم يحصل المطلوب وهو تكثير الأمة بكثرة التوالد، ويعرف هذان الوصفان في الأبكار من أقاربهن، إذ الغالب سراية طباع الأقارب بعضهن إلى بعض"[5]. وقال السندي: "((الودود)) أي: كثيرة المحبة للزوج، كأن المراد بها البكر، ويُعرف ذلك بحال قرابتها. وكذا معرفة ((الولود)) أي: كثير الولادة، يعرف بذلك في البكر. واعتبار كونها ودودا مع أن المطلوب كثرةُ الأولاد كما يدل عليه التعليل لأن المحبة هي الوسيلة إلى ما يكون سبباً للأولاد"[6]. 3- فيه غض للبصر وإحصان للفرج: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((من استطاع الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء))[7]. قال الصنعاني: "فيه الحث على تحصيل ما يغض به البصر ويحصن الفرج"[8]. قال أبو حامد الغزالي في بيان فوائد النكاح: "وفيه فوائد خمس: الولد، وكسر الشهوة، وتدبير المنزل، وكثرة العشيرة، ومجاهدة النفس بالقيام بهن. الفائدة الأولى: الولد، وهو الأصل، وله وضع النكاح، والمقصود إبقاء النسل وأن لا يخلو العالم عن جنس الإنس، وإنما الشهوة خلقت باعثة مستحِثَّة كالموكَّل بالفحل في إخراج البذر، وبالأنثى في التمكين من الحرث، تلطفاً بهما في السياقة إلى اقتناص الولد بسبب الوقاع. وفي التوصل إلى الولد قربةٌ من أربعة أوجه هي الأصل في الترغيب فيه عند الأمن من غوائل الشهوة، حتى لم يحب أحدهم أن يلقى الله عزباً: الأول موافقة محبة الله بالسعي في تحصيل الولد لإبقاء جنس الإنسان. والثاني: طلب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تكثير مباهاته. والثالث: طلب التبرك بدعاء الولد الصالح بعده. والرابع: طلب الشفاعة بموت الولد الصغير إذا مات قبله. أما الوجه الأول: فهو أدقُّ الوجوه وأبعدُها عن أفهام الجماهير، وهو أحقُّها وأقواها عند ذوي البصائر النافذة في عجائب صنع الله تعالى ومجاري حكمه، وبيانه أن السيد إذا سلَّم إلى عبده البذر وآلات الحرث وهيَّأ له أرضا مهيأة للحراثة، وكان العبد قادرا على الحراثة، ووكل به من يتقاضاه عليها، فإن تكاسل وعطَّل آلة الحرث وترك البذر ضائعا حتى فسد، ودفع الموكل عن نفسه بنوع من الحيلة كان مستحِقا للمقت والعتاب من سيده، والله تعالى خلق الزوجين، وخلق الذكر والأنثيين، وخلق النطفة في الفقار، وهيأ لها في الأنثيين عروقا ومجاري، وخلق الرحم قرارا ومستودَعا للنطفة، وسلَّط متقاضي الشهوة على كل واحد من الذكر والأنثى، فهذه الأفعال والآلات تشهد بلسان ذلق في الإعراب عن مراد خالقها، وتنادي أرباب الألباب بتعريف ما أُعدَّت له... الوجه الثاني: السعي في محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه بتكثير ما به مباهاته؛ إذ قد صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. ويدل على مراعاة أمر الولد جملةٌ بالوجوه كلها... قال عليه السلام: ((خير نسائكم الولود الودود)). الوجه الثالث: أن يُبقي بعده ولدا صالحا يدعو له، كما ورد في الخبر أن جميع عمل ابن آدم منقطع إلا ثلاثا، فذكر: الولد الصالح. وقول القائل: إن الولد ربما لم يكن صالحا، لا يؤثر، فإنه مؤمن، والصلاح هو الغالب على أولاد ذوي الدين، لا سيما إذا عزم على تربيته وحمله على الصلاح. وبالجملة دعاء المؤمن لأبويه مفيد براً كان أو فاجراً، فهو مثاب على دعواته وحسناته فإنه من كسبه، وغير مؤاخذ بسيئاته، فإنه لا تزر وازرة وزر أخرى. ولذلك قال تعالى: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَـٰهُمْ مّنْ عَمَلِهِم مّن شَىْء} أي: ما نقصناهم من أعمالهم وجعلنا أولادهم مزيدا في إحسانهم. الوجه الرابع: أن يموت الولد قبله فيكون له شفيعاً، قال صلى الله عليه وسلم: ((من مات له ثلاثة لم يبلغوا الحنث أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم))، قيل: يا رسول الله واثنان؟ قال: ((واثنان)). فقد ظهر بهذه الوجوه الأربعة، أن أكثر فضل النكاح لأجل كونه سببا للولد. الفائدة الثانية: التحصُّن من الشيطان، وكسر التَّوَقان، ودفع غوائل الشهوة، وغض البصر وحفظ الفرج، وإليه الإشارة بقوله: ((عليكم بالباءة، فمن لم يستطع فعليه بالصوم، فإن الصوم له وجاء)). الفائدة الثالثة: ترويح النفس وإيناسها بالمجالسة والنظر والملاعبة، وإراحة للقلب وتقوية له على العبادة، فإن النفس ملول، وهي عن الحق نفور؛ لأنه على خلاف طبعها. فلو كلفت المداومة بالإكراه على ما يخالفها جمحت، وإذا روحت باللذات في بعض الأوقات قويت ونشطت، وفي الاستئناس بالنساء من الاستراحة ما يزيل الكرب ويروِّح القلب، وينبغي أن يكون لنفوس المتقين استراحات بالمباحات، ولذلك قال الله تعالى: {لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف:189]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((حبب إليَّ من دنياكم ثلاث: الطيب، والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة)). فهذه أيضا فائدة لا ينكرها من جرَّب إتعاب نفسه في الأفكار والأذكار وصنوف الأعمال، وهي خارجة عن الفائدتين السابقتين. الفائدة الرابعة: تفريغ القلب عن تدبير المنزل، والتكفل بشغل الطبخ، والكنس والفرش، وتنظيف الأواني، وتهيئة أسباب المعيشة. فإن الإنسان لو لم يكن له شهوة الوقاع لتعذر عليه العيش في منزله وحده، إذ لو تكفَّل بجميع أشغال المنزل لضاع أكثر أوقاته، ولم يتفرَّغ للعلم والعمل. فالمرأة الصالحة للمنزل عون على الدين بهذه الطريق، واختلال هذه الأسباب شواغل ومشوِّشات للقلب ومنغِّصات للعيش. ولذلك قال أبو سليمان الداراني: الزوجة الصالحة ليست من الدنيا، فإنها تفرغك للآخرة. وإنما تفريغها بتدبير المنزل وبقضاء الشهوة جميعا. الفائدة الخامسة: مجاهدة النفس ورياضتها بالرعاية والولاية، والقيام بحقوق الأهل، والصبر على أخلاقهن، واحتمال الأذى منهن، والسعي في إصلاحهن وإرشادهن إلى طريق الدين، والاجتهاد في كسب الحلال لأجلهن، والقيام بتربيته لأولاده. فكل هذه أعمال عظيمة الفضل، فإنها رعاية وولاية، والأهل والولد رعية، وفضل الرعاية عظيم، وإنما يحترز منها من يحترز خيفةً من القصور عن القيام بحقها، وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)). فهذه فوائد النكاح في الدين التي بها يحكَم له بالفضيلة"[9]. وقال ابن القيم في ذلك: "استدل على تفضيل النكاح على التخلي لنوافل العبادة بأن الله تعالى عز وجل اختار النكاح لأنبيائه ورسله، فقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً} [الرعد:38]، وقال في حق آدم: {وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف:189]، واقتطع من زمن كليمه عشر سنين في رعاية الغنم مهرَ الزوجة، ومعلوم مقدار هذه السنين العشر في نوافل العبادات، واختار لنبيه محمد أفضلَ الأشياء فلم يحب له ترك النكاح بل زوَّجه بتسع فما فوقهن، ولا هدي فوق هديه. ولو لم يكن فيه إلا سرور النبي يوم المباهاة بأمته، ولو لم يكن فيه إلا أنه بصدد أنه لا ينقطع عمله بموته، ولو لم يكن فيه إلا أنه يخرج من صلبه من يشهد بالله بالوحدانية ولرسوله بالرسالة، ولو لم يكن فيه إلا غض بصره وإحصان فرجه عن التفاته إلى ما حرم الله تعالى، ولو لم يكن فيه إلا تحصين امرأة يعفها الله به ويثيبه على قضاء وطره ووطرها فهو في لذاته وصحائف حسناته تتزايد، ولو لم يكن فيه إلا ما يثاب عليه من نفقته على امرأته وكسوتها ومسكنها ورفع اللقمة إلى فيها، ولو لم يكن فيه إلا تكثير الإسلام وأهله وغيظ أعداء الإسلام، ولو لم يكن فيه إلا ما يترتَّب عليه من العبادات التي لا تحصل للمتخلي للنوافل، ولو لم يكن فيه إلا تعديل قوته الشهوانية الصارفة له عن تعلق قلبه بما هو أنفع له في دينه ودنياه، فإن تعلُّق القلب بالشهوة أو مجاهدته عليها تصدّه عن تعلّقه بما هو أنفع له، فإن الهمة متى انصرفت إلى شيء انصرفت عن غيره، ولو لم يكن فيه إلا تعرُّضُه لبنات إذا صبر عليهن وأحسن إليهن كنَّ له سترا من النار، ولو لم يكن فيه إلا أنه إذا قدَّم له فرطين لم يبلغا الحنث أدخله الله بهما الجنة، ولو لم يكن فيه إلا استجلابه عون الله له فإن في الحديث المرفوع: ((ثلاثة حق على الله عونهم: الناكح يريد العفاف، والمكاتب يريد الأداء، والمجاهد))"[10].
[1] جامع البيان 9/142). [2] تفسير القرآن العظيم (2/285). [3] أخرجه أبو داود في النكاح، باب: النهي عن تزويج من لم يلد من النساء (2050) واللفظ له، والنسائي في النكاح، باب: كراهية تزويج العقيم (3227)، والطبراني في الكبير (20/(508). وصححه ابن حبان (4056)، والحاكم (2/162)، والألباني في صحيح أبي داود (1805). [4] فيض القدير (2/187). [5] عون المعبود (6/33-34). [6] حاشية السندي على النسائي. [7] أخرجه البخاري في الصوم، باب: الصوم لمن خاف على نفسه الغزبة (1905) واللفظ له، ومسلم في النكاح (1400). [8] سبل السلام (3/110). [9] إحياء علوم الدين (2/75) وما بعدها بتصرف. [10] بدائع الفوائد (3/158-159). رابعًا: الأسس التي يقوم عليها نظام الحياة الزوجية: 1- النكاح في الإسلام مبني على أساس عقدي: قال الله تعالى واصفا عقد النكاح بالميثاق الغليظ: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مّيثَـٰقاً غَلِيظاً} [النساء:21]. قال الطبري: "وأولى هذه الأقوال بتأويل ذلك، قول من قال: الميثاق الذي عني به في هذه الآية هو: ما أخذ للمرأة على زوجها عند عقدة النكاح من عهد على إمساكها بمعروف أو تسريحها بإحسان، فأقر به الرجل؛ لأن الله جل ثناؤه بذلك أوصى الرجال في نسائهم"[1]. وفي خطبة الوداع قال صلى الله عليه وسلم: ((فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله))[2]. قال النووي: "قيل معناه: قوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَـٰنٍ} [البقرة:229]. وقيل: المرادكلمة التوحيد، وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ إذ لا تحل مسلمة لغير مسلم. وقيل: المراد بإباحة الله، والكلمة: قوله تعالى: {فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ ٱلنّسَاء} [النساء:3]. وهذا الثالث هو الصحيح. وبالأول قال الخطابي والهروي وغيرهما. وقيل: المراد بالكلمة الإيجاب والقبول، ومعناه على هذا بالكلمة التي أمر الله تعالى بها. والله أعلم"[3]. وقال محمد شمس الحق آبادي: "أي: بشرعه أو بأمره وحكمه"[4]. 2- النكاح طاعة وعبادة: عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((في بضع أحدكم صدقة))، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟! قال: ((أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه فيها وزر؟! فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرًا))[5]. قال النووي: "((بُضع)) هو: بضم الباء، ويطلق على الجماع ويطلق على الفرج نفسه، وكلاهما تصح إرادته هنا. وفي هذا دليل على أن المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات، فالجماع يكون عبادة إذا نوى به قضاءَ حقِّ الزوجة ومعاشرتَها بالمعروف الذي أمر الله تعالى به، أو طلبَ ولدٍ صالح أو إعفافَ نفسه أو إعفافَ الزوجة، ومنعَهما جميعا من النظر إلى حرام أو الفكر فيه أو الهم به، ذلك من المقاصد الصالحة"[6]. 3- العدالة التامة بين الزوجين: قال الله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ} [البقرة:228]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إني أحبُّ أن أتزيَّن للمرأة،كما أحبُّ أن تتزيَّن لي؛ لأن الله تعالى ذكره يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ})[7]. وقال ابن الجوزي: "وهو المعاشرة الحسنة والصحبة الجميلة"[8]. وقال ابن القيم: "ودخل في قوله: {وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ} جميع الحقوق التي للمرأة وعليها، وإن مردَّ ذلك إلى ما يتعارفه الناس بينهم، ويجعلونه معروفاً لا منكراً، والقرآن والسنة كفيلان بهذا أتمَّ كفالة"[9]. وقال ابن كثير: "أي: ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن، فليؤدِّ كلُّ واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف"[10]. وقال الألوسي: "كأنه قيل: ولهن عليهم مثل الذي لهم عليهن، والمراد بالمماثلة: المماثلة في الوجوب لا في جنس الفعل، فلا يجب عليه إذا غسلت ثيابه أو خبزت له أن يفعل لها مثل ذلك، ولكن يقابله بما يليق بالرجال"[11]. وقال ابن سعدي: "أي: وللنساء على بعولتهن من الحقوق واللوازم مثل الذي عليهن لأزواجهن من الحقوق اللازمة والمستحبة"[12]. 4- مبدأ الشورى بين الزوجين: قال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلأمْرِ} [آل عمران:159]. قال ابن جرير الطبري: "وأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال: إن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بمشاورة أصحابه فيما حزَبَه من أمر عدوِّه ومكايد حربه، تأليفاً منه بذلك مَن لم تكن بصيرتُه بالإسلام البصيرةَ التي يؤمَن عليه معها فتنةَ الشيطان، وتعريفاً منه أمتَه ما في الأمور التي تحزبهم من بعده ومطلبها، ليقتدوا به في ذلك عند النوازل التي تنزل بهم، فيتشاوروا فيما بينهم، كما كانوا يرونه في حياته صلى الله عليه وسلم يفعله، فأما النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله كان يعرِّفه مطالب وجوه ما حزَبَه من الأمور بوحيه أو إلهامه إياه صوابَ ذلك، وأما أمتُه فإنهم إذا تشاوروا مستنِّين بفعله في ذلك، على تصادق وتوخٍّ للحق، وإرادة جميعهم للصواب، من غير ميل إلى هوى، ولا حيد عن هدى، فالله مسدِّدُهم وموفِّقهم"[13]. وقال ابن سعدي: "أي: الأمور التي تحتاج إلى استشارة ونظر وفكر، فإن في الاستشارة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية ما لا يمكن حصره"[14]. وقال تعالى في وصف عباده المؤمنين: {وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ} [الشورى:38]. قال الطبري: "يقول: وإذا حزبهم أمر تشاوروا بينهم"[15]. وقال البغوي: "أي: يتشاورون فيما يبدو لهم ولا يعجلون"[16]. وقال الألوسي: "أي: ذوو شورى ومراجعة في الآراء بينهم... وفي الآية مدح للتشاور"[17]. وفي قصة الحديبية، عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه قال: فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((قوموا فانحروا، ثم احلقوا))، قال: فوالله، ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلمالم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحبُّ ذلك؟ اخرج ثم لا تكلِّم أحداً منهم كلمةً حتى تنحر بدنك، وتدعوَ حالقَك فيحلقك. فخرج فلم يكلِّم أحدا منهم حتى فعل ذلك؛ نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غمًّا[18]. قال ابن حجر: "وفيه: فضل المشورة، وأن الفعل إذا انضم إلى القول كان أبلغ من القول المجرد، وليس فيه أن الفعل مطلقا أبلغ من القول، وجواز مشاورة المرأة الفاضلة"[19]. وفي حادثة نزول الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم قالت عائشة رضي الله عنها: فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: ((زملوني زملوني)) فزملوه، حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: ((لقد خشيت على نفسي))، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة، وكان امرَأً قد تنصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزَّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أومخرجيَّ هم؟!))، قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومُك أنصرْك نصرا مؤزرا. ثم لم ينشب ورقة أن توفي[20]. 5- المحبة والرحمة بين الزوجين: قال الله تعالى: {وَمِنْ ءايَـٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوٰجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [القصص:21]. قال الطبري: "يقول: جعل بينكم بالمصاهرة والختونة مودّةً تتوادّون بها، وتتواصلون من أجلها، ورحمةً رحمكم بها، فعطف بعضكم بذلك على بعض"[21]. وقال الألوسي: "فإن المراد بهما ما كان منهما بعصمة الزواج قطعا، أي: جعل بينكم بالزواج الذي شرعه لكم تواداً وتراحماً من غير أن يكون بينكم سابقةُ معرفة، ولا مرابطة مصححة للتعاطف من قرابة أو رحم"[22]. وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيّ فيشرب، وأتعرَّق العرْق[23] وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ[24]. وعن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر قالت: فسابقته فسبقتُه على رجلي، فلما حملتُ اللحمَ سابقته فسبقني، فقال: ((هذه بتلك السبقة))[25]. وقال ابن القيم: "فمن المحبة النافعة محبة الزوجة وما ملكت يمين الرجل، فإنها معينة على ما شرع الله سبحانه له من النكاح وملك اليمين من إعفاف الرجل نفسه وأهله، فلا تطمح نفسه إلى سواها من الحرام، ويعفها فلا تطمح نفسها إلى غيره، وكلما كانت المحبة بين الزوجين أتمَّ وأقوى كان هذا المقصود أتم وأكمل"[26]. 6- درجة الرجل على المرأة: قال الله تعالى: {وَلِلرّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228]. قال ابن كثير: "أي: في الفضيلة في الخَلق والخُلق والمنزلة وطاعة الأمر والإنفاق والقيام بالمصالح، والفضل في الدنيا والآخرة"[27]. وقال الألوسي: "زيادة في الحق؛ لأن حقوقهم في أنفسهن، فقد ورد أن النكاح كالرق. أو شرف فضيلة؛ لأنهم قوام عليهن وحراس لهن يشاركونهن في غرض الزواج من التلذذ، وانتظام مصالح المعاش، ويخَصُّون بشرفٍ يحصل لهم لأجل الرعاية والإنفاق عليهن"[28]. وقال ابن سعدي: "أي: رفعة ورياسة وزيادة حق عليهن"[29]. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أتى رجل بابنته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابنتي هذه أبت أن تتزوج، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أطيعي أباك))، فقالت: والذي بعثك بالحق لا أتزوج حتى تخبرني: ما حق الزوج على زوجته؟ قال: ((حق الزوج على زوجته لو كانت به قرحة فلحستها أو انتثر منخراه صديداً أو دماً ثم ابتلعته ما أدت حقه))[30]. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها، لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته، ما أدت حقه))[31]. وعنه رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم برجالكم في الجنة؟)) قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((النبيّ في الجنة، والصديق في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله في الجنة. ألا أخبركم بنسائكم في الجنة؟))، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ((كل ودود ولود إذا غضبت أو أُسيءَ إليها أو غضب زوجها قالت: هذه يدي في يدك، لا أكتحل بغمض حتى ترضى))[32]. 7- قوامة الرجل على المرأة: قال الله تعالى: {ٱلرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنّسَاء بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ} [النساء:34]. قال الطبري: "يعني بقوله جل ثناؤه: {ٱلرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنّسَاء} الرجال أهل قيام على نسائهم في تأديبهن والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله ولأنفسهم؛ {بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} يعني: بما فضل الله به الرجال على أزواجهم، من سوقهم إليهن مهورَهن وإنفاقِهم عليهن أموالهَم وكفايتِهم إياهن مؤنهتَن، وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهم عليهن، ولذلك صاروا قُواماً عليهن نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن"[33]. وقال ابن كثير: "يقول تعالى: {ٱلرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنّسَاء} أي: الرجل قيِّم على المرأة، أي: هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدِّبها إذا اعوجَّت؛ {بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} أي: لأن الرجال أفضل من النساء، والرجل خير من المرأة؛ ولهذا كانت النبوة مختصةً بالرجال، وكذلك الملك الأعظم... وكذا منصب القضاء وغير ذلك، {وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ} أي: من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه، وله الفضل عليها والإفضال، فناسب أن يكون قيماً عليها"[34].
[1] جامع البيان (4/316). [2] أخرجه مسلم في الحج (1218) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. [3] شرح مسلم (8/183). [4] عون المعبود (5/263). [5] أخرجه مسلم في الزكاة (1006). [6] شرح مسلم (7/92). [7] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (4/196)، وابن جرير في تفسيره (2/453)، والبيهقي في الكبرى (14505). [8] زاد المسير (1/261). [9] إعلام الموقعين (1/334 ـ 335). [10] تفسير القرآن العظيم (1/272). [11] روح المعاني (2/134). [12] تيسير الكريم الرحمن (1/183). [13] جامع البيان (4/496). [14] تيسير الكريم الرحمن (1/286). [15] جامع البيان (25/37). [16] معالم التنزيل (4/129). [17] روح المعاني